الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر رحيل الفرنج إلى ناحية عسقلان: وكان على اليزك، ذلك اليوم، الملك الأفضل ولد صلاح الدين، ومعه سيف الدين إيازكوش وعز الدين جورديك، وعدة من شجعان الأمراء، فضايقوا الفرنج في مسيرهم، وأرسلوا عليهم من السهام ما كاد يحجب الشمس، ووقعوا على ساقة الفرنج، فقتلوا منها جماعة، وأسروا جماعة. وأرسل الأفضل إلى والده يستمده ويعرفه الحال، فأمر العساكر بالمسير إليه، فاعتذروا بأنهم ما ركبوا بأهبة الحرب، وإنما كانوا على عزم المسير لا غير، فبطل المدد وعاد ملك الإنكلتار إلى ساقة الفرنج، فحماها، وجمهم، وساروا حتى أتوا حيفا، فنزلوا بها، ونزل المسلمون بقيمون، قرية بالقرب منهم، وأحضر الفرنج من عكا عوض من قتل منهم وأسر ذلك اليوم، وعوض ما هلك من الخيل، ثم ساروا إلى قيسارية، والمسلمون يسايرونهم ويتخطفون منهم من قدروا عليه فيقتلونه، لأن صلاح الدين كان قد أقسم أنه لا يظفر بأحد منهم إلا قتله بمن قتلوا ممن بعكا. فلما قاربوا قيسارية لاصقهم المسلمون، وقاتلوهم أشد قتال، فنالوا منهم نيلاً كثيراً، ونزل الفرنج بها، وبات المسلمون قريباً منهم، فلما نزلوا خرج من الفرنج جماعة فأبعدوا عن جماعتهم، فأوقع بهم المسلمون الذين كانوا في اليزك، فقتلوا منهم وأسروا، ثم ساروا من قيسارية إلى أرسوف، وكان المسلمون قد سبقوهم إليها، ولم يمكنهم مسايرتهم لضيق الطريق، فلما وصل الفرنج إليهم حمل المسلمون علهم حملة منكرة وألحقوهم بالبحر، ودخله بعضهم فقتل منهم كثير. فلما رأى الفرنج ذلك اجتمعوا، وحملت الخيالة على المسلمين حملة رجل واحد، فولوا منهزمين لا يلوي أحد على أحد. وكان كثير من الخيالة والسوقة قد ألفوا القيام وقت الحرب قريباً من المعركة، فلما كان ذلك اليوم كانوا على حالهم، فلما انهزم المسلمون عنهم قتل خلق كثير، والتجأ المنهزمون إلى القلب، وفيه صلاح الدين، فلو علم الفرنج أنها هزيمة لتبعوهم واستمرت الهزيمة وهلك المسلمون، لكن كان بالقرب من المسلمين شعرة كثيرة الشجر، فدخلوها وظنها الفرنج مكيدة، فعادوا، وزال عنهم ما كانوا فيه من الضيق، وقتل من الفرنج كند كبير من طواغيتهم، وقتل من المسلمين مملوك لصلاح الدين اسمه أياز الطويل، وهو من الموصوفين بالشجاعة والشهامة لم يكن في زمانه مثله. فلما نزل الفرنج نزل المسلمون وأعنة خيلهم بأيديهم، ثم سار الفرنج إلى يافا فنزلوها، ولم يكن بها أحد من المسلمين، فملكوها. ولما كان من المسلمين بأرسوف من الهزيمة ما ذكرناه، سار صلاح الدين عنهم إلى الرملة، واجتمع بأثقاله بها، وجمع الأمراء واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا عليه بتخريب عسقلان، وقالوا له: قد رأيت ما كان منا بالأمس، وإذا جاء الفرنج إلى عسقلان ووقفنا في وجوههم نصدهم عنها فهم لا شك يقاتلوننا لننزاح عنها فينزلوا عليها، فإذا كان ذلك عدنا إلى مثل ما كنا عليه على عكا، ويعظم الأمر علينا، لأن العدو قد قوي بأخذ عكا وما فيها من الأسلحة وغيرها، وضعفنا نحن بما خرج عن أيدينا، ولم تطل المدة حتى نستجد غيرها. فلم تسمح نفسه بتخريبها، وندب الناس إلى دخولها وحفظها، فلم يجبه أحد إلى ذلك وقالوا: إن أردت حفظها فادخل أنت معنا، أو بعض أولادك الكبار، وإلا فما يدخلها منا أحد لئلا يصيبنا ما أصاب أهل عكا، فلما رأى الأمر كذلك سار إلى عسقلان، وأمر بتخريبها، فخربت تاسع عشر شعبان، وألقيت حجارتها في البحر، وهلك فيها من الأموال والذخائر التي للسلطان والرعية ما لا يمكن حصره، وعفى أثرها حتى لا يبقى للفرنج في قصدها مطمع. ولما سمع الفرنج بتخريبها أقاموا مكانهم ولم يسيروا إليها، وكان المركيس، لعنه الله، لما أخذ الفرنج عكا قد أحس من ملك إنكلتار بالغدر به، فهرب من عنده إلى مدينة صور، وهي له وبيده، وكان رجل الفرنج رأياً شجاعة، وكل هذه الحروب هو أثارها، فلما خربت عسقلان أرسل إلى ملك إنكلتار يقول له: مثلك لا ينبغي أن يكون ملكاً ويتقدم على الجيوش، تسمع أن صلاح الدين قد خرب عسقلان وتقيم مكانك؟ يا جاهل، لما بلغك أنه قد شرع في تخريبها كنت سرت إليه مجداً فرحلته وملكتها صفواً بغير قتال ولا حصار، فإنه ما خربها إلا وهو عاجز عن حفظها. وحق المسيح لو أنني معك كانت عسقلان اليوم بأيدينا لم يخرب منها غير برج واحد. فلما خربت عسقلان رحل صلاح الدين عنها ثاني شهر رمضان، ومضى إلى الرملة فخربت حصنها وخب كنيسة لد، وفي مدة مقامه لتخريب عسقلان كانت العساكر مع الملك العادل أبي بكر بن أيوب نجاه الفرنج، ثم سار صلا الدين إلى القدس بعد تخريب الرملة، فاعتبره وما فيه من سلاح وذخائر، وقرر قواعده وأسبابه، وما يحتاج إليه، وعاد إلى المخيم ثامن رمضان. وفي هذه الأيام خرج ملك إنكلتار من يافا، ومعه نفر من الفرنج من معسكرهم، فوقع به نفر من المسلمين، فقاتلوهم قتالاً شديداً، وكاد ملك إنكلتار يؤسر، ففداه بعض أصحابه بنفسه، فتخلص الملك وأسر ذلك الرجل. وفيها أيضاً كانت وقعة بين طائفة من المسلمين وطائفة من الفرنج انتصر فيها المسلمون. .ذكر رحيل الفرنج إلى نطرون: وكان العادل وملك إنكلتار يجتمعان بعد ذلك ويتجاريان حديث الصلح، وطلب من العادل أن يسمعه غناء المسلمين، فأحضر له مغنية تضرب بالجنك، فغنت له، فاستحسن ذلك، ولم يتم بينهما صلح، وكان ملك إنكلتار يفعل ذلك خديعة ومكراً. ثم إن الفرنج أظهروا العزم على قصد البيت المقدس، فسار صلاح الدين إلى الرملة، جريدة، وترك الأثقال بالنطرون، وقرب من الفرنج، وبقي عشرين يوماً ينتظرهم، فلم يبرحوا، فكن بين الطائفتين، مدة المقام، عدة وقعات في كلها ينتصر المسلمون على الفرنج، وعاد صلاح الدين إلى النطرون، ورحل الفرنج من يافا إلى الرملة ثالث ذي القعدة، على عزم قصد البيت المقدس، فقرب بعضهم من بعض فعظم الخطب واشتد الحذر، فكان كل ساعة يقع الصوت في العسكرين بالنفير فلقوا من ذلك شدة شديدة، وأقبل الشتاء، وحالت الأوحال والأمطار بينهما. .ذكر مسير صلاح الدين إلى القدس: وسار الفرنج من الرملة إلى النطرون ثالث ذي الحجة، على عزم قصد القدس، فكانت بينهم وبين يزك المسلمين وقعات، أسر المسلمون في وقعة منها نيفاً وخمسين فارساً من مشهوري الفرنج وشجعانهم، وكان صلاح الدين لما دخل القدس أمر بعمارة سوره، وتجديد ما رث منه، فأحكم الموضع الذي ملك البلد منه، وأتقنه، وأمر بحفر خندق خارج الفصيل، وسلم كل برج إلى أمير يتولى عمله، فعمل ولده الأفضل من ناحية باب عمود إلى باب الرحمة، وأرسل أتابك عز الدين مسعود، صاحب الموصل، جماعة من الحصاصين، ممن له في قطع الصخر اليد الطولى، فعملوا له هناك برجاً وبدنة، وكذلك جميع الأمراء. ثم إن الحجارة قلت عند العمالين، فكان صلاح الدين، رحمه الله يركب وينقل الحجارة بنفسه على دابته من الأمكنة البعيدة، فيقتدي به العسكر، فكان يجمع عنده ن العمالين في اليوم الواحد ما يعملونه عدة أيام. .ذكر عود الفرنج إلى الرملة: فقال: هذه مدينة لا يمكن حصرها ما دام صلاح الدين حياً وكلمة المسلمين مجتمعة، لأننا إن نزلنا في الجانب الذي يلي المدينة بقيت سائر الجوانب غير محصورة، فيدخل إليهم منها الرجال والذخائر وما يحتاجون إليه، وإن نحن افترقنا فنزل بعضنا من جانب الوادي وبعضنا من الجانب الآخر، جمع صلاح الدين عسكره وواقع إحدى الطائفتين، ولم يمكن الطائفة الأخرى إنجاد أصحابهم، لأنهم إن فارقوا مكانهم خرج من بالبلد من المسلمين فغنموا ما فيه، وإن تركوا فيه من يحفظه وساروا نحو أصحابهم، فإلى أن يتخلصوا من الوادي ويلحقوا بهم يكون صلاح الدين قد فرغ منهم، هذا سوى ما يتعذر علينا من إيصال ما يحتاج إليه من العلوفات والأقوات. فلا قال لهم ذلك علموا صدقه، ورأوا قلة الميرة عندهم، وما يجري للجالبين لها من المسلمين، فأشاروا عليه بالعود إلى الرملة، فعادوا خائبين خاسرين. .ذكر قتل قزل أرسلان: وفي آخر أمره سار إلى أصفهان، والفتن بها متصلة من لدن توفي البهلوان إلى ذلك الوقت، فتعصب على الشافعية، وأخذ جماعة من أعيانهم فصلبهم، وعاد إلى همذان، وخطب لنفسه بالسلطنة، وضرب النوب الخمس، ثم إنه دخل ليلة قتل إلى منزله لينام، وتفرق أصحابه، فدخل إليه من قتله على فراشه، ولم يعرف قاتله، فأخذ أصحابه صاحب بابه ظناً وتخميناً؛ وكان كريماً حسن الأخلاق، يحب العدل ويؤثره، ويرجع إلى حلم وقلة عقوبة. .ذكر عدة حوادث: وحدثني من أثق به قال: رأيت صلاح الدين وقد ركب ليودع معز الدين هذا، فترجل له معز الدين، وترجل صلاح الدين، وودعه راجلاً، فلما أراد الركوب عضده معز الدين هذا، وأركبه، وسوى ثيابه علاء الدين خرمشاه بن عز الدين، صاحب الموصل، قال: فعجبت من ذلك، وقلت ما تبالي يا ابن أيوب أي موتة تموت؟ يركبك ملك سلجوقي وابن أتابك زنكي. وفيها توفي حسام الدين محمد بن لاجين، وهو ابن أخت صلاح الدين؛ وعلم الدين سليمان بن جندر، وهو من أكابر أمراء صلاح الدين أيضاً. وفي رجب توفي الصفي بن القابض، وكان متولي دمشق لصلاح الدين، يحكم في جميع بلاده. ثم دخلت: .سنة ثمان وثمانين وخمسمائة: .ذكر عمارة الفرنج عسقلان: وفي مدة مقام صلاح الدين بالقدس ما برحت سراياه تقصد الفرنج، فتارة تواقع طائفة منهم، وتارة تقطع الميرة عنهم، ومن جملتها سرية كان مقدمها فارس الدين ميمون القصري، وهو من مقدمي المماليك الصلاحية، خرج على قافلة كبيرة للفرنج، فأخذها وغنم ما فيها. .ذكر قتل المركيس وملك الكندهر: وكان سبب قتله أن صلاح الدين راسل مقدم الإسماعيلية، وهو سنان، وبذل له أن يرسل من يقتل ملك إنكلتار، وإن قتل المركيس فله عشرة آلاف دينار، فلم يمكنهم قتل ملك إنكلتار، ولم يره سنان مصلحة لهم لئلا يخلو وجه صلاح الدين من الفرنج ويتفرغ لهم، وشره في أخذ المال، فعدل إلى قتل المركيس، فأرسل رجلين في زي الرهبان، واتصلا بصاحب صيدا وابن بارزان، صاحب الرملة، وكانا مع المركيس بصور، فأقاما معهما ستة أشهر يظرهان العبادة، فأنس بهما المركيس، ووثق بهما، فلما كان بعد التاريخ عمل الأسقف بصور دعوة للمركيس، فحضرها، وأكل طعامه، وشرب مدامه، وخرج من عنده، فوثب عليه الباطنيان المذكوران، فجرحاه جراحاً وثيقة، وهرب أحدهما، ودخل كنيسة يختفي فيها، فاتفق أن المركيس حمل إليها ليشد جراحه، فوثب عليه ذلك الباطني فقتله، وقتل الباطنيان بعده. ونسب الفرنج قتله إلى وضع من ملك إنكلتار لينفرد بملك الساحل الشامي، فلما قتل ولي بعده مدينة صور كند من الفرنج، من داخل البحر، يقال له الكند هري، وتزوج بالملكة في ليلته، ودخل بها وهي حامل، وليس الحمل عندهم مما يمنع النكاح. وهذا الكند هري هو ابن أخت ملك إفرنسيس من أبيه، وابن أخت ملك إنكلتار من أمه، وملك كند هري هذا بلاد الفرنج بالساحل بعد عود ملك إنكلتار، وعاش إلى سنة أربع وتسعين وخمسمائة، فسقط من سطح فمات؛ وكان عاقلاً، كثير المدارة والاحتمال. ولما رحل ملك إنكلتار إلى بلاده أرسل كند هري هذا إلى صلاح الدين يستعطفه، ويستميله، يطلب منه خلعة، وقال: أنت تعلم أن لبس القباء والشربوش عندنا عيب، وأنا ألبسهما منك محبة لك؛ فأنفذ إليه خلعة سنية منها القباء والشربوش، فلبسهما بعكا. .ذكر نهب بني عامر البصرة: وكان سبب سرعة العرب في مفارقة البلد أنهم بلغهم أن خفاجة والمنتفق قد قاربوهم، فساروا إليهم وقاتلوهم أشد قتال، فظفرت عامر، وغنمت أموال خفاجة والمنتفق، وعادوا إلى البصرة بكرة الاثنين، وكان الأمير قد جمع من أهل البصرة والسواد جمعاً كثيراً، فلما عادت عامر قاتلهم أهل البصرة ومن اجتمع معهم، فلم يقوموا للعرب وانهزموا، ودخل العرب البصرة ونهبوها، وفارق البصرة أهلها، ونهبت أموالهم، وجرت أمور عظيمة، ونهبت القسامل وغيرها يومين، وفارقها العرب وعاد أهلها إليها، وقد رأيت هذه القصة بعينها في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، والله أعلم. .ذكر ما كان من ملك إنكلتار: وكان سبب طمعهم أن صلاح الدين فرق عساكره الشرقية وغيرها لأجل الشتاء، وليستريحوا، وليحضر البدل عوضهم، وسار بعضهم مع ولده الأفضل وأخيه العادل إلى البلاد الجزرية، لما نذكره إن شاء الله تعالى، وبقي من حلقته الخاص بعض العساكر المصرية، فظنوا أنهم ينالون غرضاً، فلما سمع صلاح الدين بقربهم منه فرق أبراج البلد على الأمراء، وسار الفرنج من بيت نوبة إلى قلونية، سلخ الشهر، وهي على فرسخين من القدس، فصب المسلمون عليهم البلاء، وتابعوا إرسال السرايا فبلي الفرنج منهم بما لا قبل لهم به، وعلموا أنهم إذا نازلوا القدس كان الشر إليهم أسرع والتسلط عليهم أمكن، فرجعوا القهقرى، وركب المسلمون أكتافهم بالرماح والسهام. ولما أبعد الفرنج عن يافا سير صلاح الدين سرية من عسكره إليها، فقاربوها، وكمنوا عندها، فاجتاز بهم جماعة من فرسان الفرنج مع قافلة، فخرجوا عليهم، فقتلوا منهم وأسروا وغنموا، وكان ذلك آخر جمادى الأولى. .ذكر استيلاء الفرنج على عسكر المسلمين: حكى لي بعض أصحابنا، وكنا قد سيرنا معه شيئاً للتجارة إلى مصر، وكان قد خرج في هذا القفل، قال: لما وقع الفرنج علينا كنا قد رفعنا أحمالنا للسير، فحملوا علينا وأوقعوا بنا، فضربت أحمالي وصعدت الجبل ومعي عدة أحمال لغيري. فلحقنا قوم من الفرنج، فأخذوا الأحمال التي في صحبتي، وكنت بين أيديهم بمقدار رمية سهم، فلم يصلوا إلي، فنجوت بما معي، وسرت لا أدري أين أقصد، وإذ قد لاح لي بناء كبير على جبل، فسألت عنه، فقيل لي: هذا الكرك؛ فوصلت إليه ثم عدت منه إلى القدس سالماً. وسار هذا الرجل من القدس سالماً، فلما بلغ بزاعة، عند حلب، أخذه الحرامية، فنجا من العطب، وهلك عند ظنه السلامة. .ذكر سير الأفضل والعادل إلى بلاد الجزيرة: فلما رأى ولد تقي الدين ذلك علم أنه لا قوة له بهم، فراسل الملك العادل، عم أبيه، يسأله إصلاح حاله مع صلاح الدين، فأنهى ذلك إلى صلاح الدين، وأصلح حاله، وقرر قاعدته بأن يقرر له ما كان لأبيه بالشام، وتؤخذ منه البلاد الجزرية، واستقرت القاعدة على ذلك. وأقطع صلاح الدين البلاد الجزرية، وهي حران، والرها، وسميساط، وميافارقين، وحاني العادل، وسيره إلى ابن تقي الدين ليتسلم منه البلاد، ويسيره إلى صلاح الدين، ويعيد الملك الأفضل أين أدركه؛ فسار العادل، فلحق الأفضل بحلب، فأعاده إلى أبيه، وعبر العادل الفرات وتسلم البلاد من ابن تقي الدين وجعل نوابه فيها، واستصحب ابن تقي الدين معه، وعاد إلى صلاح الدين بالعساكر، وكان عوده في جمادى الآخرة من هذه السنة. .ذكر عود الفرنج إلى عكا: .ذكر ملك صلاح الدين يافا: وكان جماعة من المماليك الصلاحية قد وقفوا على أبواب المدينة، وكل من خرج من الجند ومعه شيء من الغنيمة أخذوه منه، فإن امتنع ضربوه وأخذوا ما معه قهراً، ثم زحفت العساكر إلى القلعة، فقاتلوا عيها آخر النهار، وكادوا يأخذونها، فطلب من بالقلعة الأمان على أنفسهم، وخرج البطرك الكبير الذي لهم، ومعه عدة من أكابر الفرنج، في ذلك، وترددوا، وكان قصدهم منع المسلمين عن القتال، فأدركهم الليل، وواعدوا المسلمين أن ينزلوا بكرة غد ويسلموا القلعة. فلما أصبح الناس طالبهم صلاح الدين بالنزول عن الحصن، فامتنعوا، وإذا قد وصلهم نجدة من عكا، وأدركهم ملك إنكلتار، فأخرج من بيافا من المسلمين، وأتاه المدد من عكا وبرز إلى ظاهر المدينة، واعترض المسلمين وحده، وحمل علهم، فلم يتقدم إليه أحد، فوقف بين الصفين واستدعى طعاماً من المسلمين، ونزل فأكل، فأمر صلاح الدين عسكره بالحملة عليهم، وبالجد في قتالهم، فتقدم إليه بعض أمرائه يعرف بالجناح، وهو أخو المشطوب ابن عي بن أحمد الهكاري، فقال له: يا صلاح الدين قل لمماليكك الذين أخذوا أمس الغنيمة، وضربوا الناس بالحماقات، أن يتقدموا فيقاتلوا، إذا كان القتال فنحن، وإذا كان الغنيمة فلهم. فغضب صلاح الدين من كلامه وعاد عن الفرنج. وكان رحمه الله حليماً كريماً كثير العفو عند المقدرة، ونزل في خيامه، وأقام حتى اجتمعت العساكر، وجاء إليه ابنه الأفضل وأخوه العادل وعساكر الشرق، فرحل بهم إلى الرملة لينظر ما يكون منه ومن الفرنج، فلزم الفرنج يافا ولم يبرحوا منها.
|